سبق أن وصف بنك لومبارد أودييه (Lombard Odier) السويسري العام الحالي بأنه “العام الانتقالي”. وفي أعقاب الاضطرابات التي أحدثها وباء كورونا وغيرها من العوامل المؤثرة، أخذت الاقتصادات حول العالم تتعافى تدريجياً وتعود إلى الحالة الطبيعية. ومع استمرار التطور الذي يشهده الاقتصاد العالمي، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي سيتكشّف في المستقبل القريب؟
جلسنا مع سامي الشعار، كبير الاقتصاديين في الشركة، للتعمق في تعقيدات الاقتصادات العالمية. في حديثنا، استكشفنا مختلف عوامل الاقتصاد الكلي واكتسبنا رؤى ثاقبة حول الأداء المتوقع لدول مجلس التعاون الخليجي. وناقش الشعار تباطؤ النمو الائتماني في المملكة العربية السعودية، وسلط الضوء على الدوافع الرئيسية وراء الأداء غير النفطي لدولة الإمارات العربية المتحدة.
إيكونومي ميدل إيست: ما هي اتجاهات الاقتصاد الكلي السائدة والقضايا الهامة التي تشكل الاقتصاد العالمي في الوقت الحاضر؟ علاوة على ذلك، ما هي التوقعات الاقتصادية التي يمتلكها لومبارد أودييه للشرق الأوسط في العام المقبل؟
سامي الشعار: يتأثر الوضع الحالي للاقتصاد العالمي بعدة قوى رئيسية، بما في ذلك آثار تباطؤ النمو والتضخم. بالإضافة إلى ذلك، فإن تأثير السياسات النقدية التقييدية في الاقتصادات الكبرى يلعب دورًا أيضًا. وحتى الآن، حدث تضخم سريع، وهو تطور إيجابي. ومع ذلك، في المستقبل، قد تستغرق التعديلات في أسعار الخدمات مثل الأجور والإيجارات وتكاليف الرهن العقاري وقتًا أطول مقارنة بالسلع. في حين أن ارتفاع أسعار النفط قد يشكل خطر حدوث موجة ثانية من التضخم، فإن هذا ليس التوقع المركزي. إدارة مخاطر التضخم هذه أمر بالغ الأهمية للبنوك المركزية. فيما يتعلق بالنمو العالمي والأسواق المالية، من غير المرجح أن يكون هناك ارتياح في شكل تخفيضات في أسعار الفائدة قبل منتصف العام 2024.
بالنظر إلى الشرق الأوسط على وجه التحديد، يتوقع لومبارد أودييه تباطؤًا في النمو الاقتصادي للمنطقة في العام 2023. ومع ذلك، من المتوقع أن تعوض نقاط القوة في الإمارات وقطر نقاط الضعف في كل المملكة العربية السعودية والكويت. كما يُرجح حدوث انتعاش محدود في النمو في العام 2024. يحافظ لومبارد أودييه على نظرة إيجابية للمنطقة، مستشهداً بمقاييس الملاءة المالية المستقرة، والمظهر الديموغرافي القوي، والتقدم على مستوى الإصلاحات. على الرغم من التباطؤ الأخير في إنتاج النفط، فإن التحول التصاعدي في أسعار النفط يتماشى مع التوازنات المالية والخارجية السليمة. ستكون جهود التنويع بعيدًا من إنتاج الهيدروكربونات حاسمة بالنسبة لآفاق المنطقة، حيث تعمل “الرؤى” الوطنية كمحفزات للاستثمارات المنسقة في القطاعات غير النفطية والغازية.
إيكونومي ميدل إيست: برأيك، كيف يمكن لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي أن تتكيف إذا كانت أوبك+ ستواصل تنفيذ تخفيضات الإنتاج إلى أجل غير مسمى؟
سامي الشعار: في حين أنه ليس السيناريو الأساسي لدينا، فإننا نقرّ بأن المشهد المتطور لإنتاج النفط، مع انخفاض الاعتماد على إمدادات أوبك، والتحول العالمي نحو اعتماد أقل على الوقود الأحفوري في الطلب على الطاقة، يمكن أن يؤثر على النهج الاستراتيجي لدول أوبك في إدارة الإنتاج والأسعار. نظرًا لقوة التسعير القوية نسبيًا الحالية، سيكون من المنطقي بالنسبة لهم الاستمرار في هذه الإدارة الاستراتيجية. على الرغم من أن الصراع بين إسرائيل وحماس قد يؤثر على إنتاج النفط، إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي، بصورة عامة، لديها حوافز لزيادة إنتاج النفط والغاز مع الحفاظ على أسعار الطاقة عند مستوى مريح. ويهدف هذا النهج إلى تمويل جهود التنويع الاقتصادي في السنوات المقبلة، استعدادا لحقبة محتملة من ذروة الطلب على النفط.
اقرأ أيضاً: قد يتجاوز التوقعات.. 2.6 في المئة تقديرات نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي
إيكونومي ميدل إيست: ما هي العوامل الأساسية التي تساهم في تباطؤ النمو الائتماني والتباطؤ اللاحق في القطاع غير النفطي في السعودية في العام 2024، كما رصدت متابعتكم؟ وما هي الإجراءات السياساتية التي يمكن تنفيذها لتعزيز ودعم القطاع غير النفطي في البلد؟
سامي الشعار: يمكن أن يُعزى اعتدال نمو الائتمان في السعودية إلى عدة عوامل. أحد المحركات الرئيسية هو التشديد القوي للسياسة النقدية، مدفوعًا بربط العملة بالدولار الأميركي، مما يستلزم التوافق مع دورة الارتفاع النقدي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. وفي حين أن المخاطر الناجمة عن النمو السريع للائتمان، لا سيما في قطاع الرهن العقاري، تبدو واردة في الوقت الحاضر، فإنه يمكن إدارتها إذا لزم الأمر من خلال تنفيذ السياسات التحوطية الكلية. وقد تشمل هذه السياسات إدخال تعديلات على نسب القروض إلى القيمة ونسب القروض إلى الودائع. ولدعم القطاع غير النفطي، أسفرت الإجراءات السياسية المختلفة بالفعل عن نتائج إيجابية. تضاعفت الإيرادات غير النفطية منذ العام 2017، مما يعكس فعالية هذه الإجراءات. ومن المتوقع أن توفر الإصلاحات الجارية لإعانات الطاقة، والجهود المبذولة للحد من بطالة الشباب، وزيادة توسيع أنشطة القطاع الخاص، دعما إضافيا للقطاع غير النفطي.
إيكونومي ميدل إيست: ما هي العوامل الكامنة وراء التباطؤ المعتدل المتوقع في صناعة العقارات في الإمارات العربية المتحدة، كما توقع لومبارد أودييه؟ هل يمكنك تقديم مزيد من التفاصيل حول كيفية تأثير هذا التخفيف المتواضع على المستثمرين والمطورين ومشتري العقارات المحتملين في دبي؟
سامي الشعار: أجندة التحول الاقتصادي لها تداعيات لافتة على أسواق العقارات في دولة الإمارات. أدى تنفيذ إصلاحات تأشيرات الإقامة طويلة الأجل إلى تسريع تدفق المستثمرين الدوليين وأدى إلى زيادة أسعار المساكن. ومع ذلك، مع توفر المزيد من العقارات وتقليل أسعار الفائدة المرتفعة من الطلب على الرهن العقاري، نتوقع تباطؤًا معتدلاً في السوق في الأرباع القادمة. بالنسبة لدبي على وجه الخصوص، ستكون الإدارة الفعالة للمخاطر المحتملة المرتبطة بهذه الدورة مهمة حاسمة، نظرًا لأن الكيانات ذات الصلة بالحكومة معرضة على نحو لافت لتقلبات أسعار العقارات. رداً على ذلك، اتخذ صانعو السياسة إجراءات، حيث قام البنك المركزي الإماراتي بتسهيل لوائح الرهن العقاري لتسهيل سداد الديون للأسر.
إيكونومي ميدل إيست: كيف تتوقع أن يساهم قطاع السياحة في الأداء العام للقطاع غير النفطي في دولة الإمارات؟ وهل هناك أهداف أو غايات محددة في هذا الصدد؟
سامي الشعار: في السنوات الأخيرة، تبنت دولة الإمارات بشكل فعال مصادر بديلة للنمو الاقتصادي، مثل السياحة والتمويل، مما أدى إلى انخفاض ملحوظ في اعتمادها على الهيدروكربونات. ونتوقع أن تستمر السياحة في تقديم مساهمة كبيرة في النمو غير النفطي. ومع ذلك، هناك احتمال لانخفاض التدفقات السياحية بسبب التباطؤ الاقتصادي العالمي والصراعات في أجزاء أخرى من المنطقة. تسلط رؤية “نحن الإمارات 2031” الضوء على نحو واضح بالسياحة كقطاع وطني حاسم وقوة دافعة وراء اقتصاد يتسم بالتنافسية والديناميكية.
انقر هنا للاطلاع على المزيد من المقابلات.