تميّزت المملكة العربية السعودية للعام الثاني على التوالي عن نظرائها من الدول العربية والأجنبية، بقدرتها على السيطرة وكبح مستويات التضخم داخل المملكة وذلك بفضل سياساتها الحكيمة في إدارة الأزمة. فبينما كان التضخم في 2022 هو التحدي الأصعب للاقتصاد العالمي، سجلت السعودية معدل تضخم بين الأدنى عالمياً عند 2.6 في المئة.
بالأرقام
أما في العام 2023، فأظهرت البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء تباطؤ معدل التضخم السنوي في السعودية إلى 1.5 في المئة في ديسمبر/كانون الثاني من 1.7 في المئة في نوفمبر/كانون الثاني، عند أدنى مستوى في 23 شهراً. وقد جاءت هذه الأرقام متماشية مع التوقعات. في حين كان معدل التضخم في السعودية قد بلغ 1.6 في المئة خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023، مقارنة بشهر أكتوبر/تشرين الأول 2022، وهو أقل من الشهر السابق سبتمبر/أيلول 2023 على أساس سنوي حيث سجل 1.7 في المئة.
وكانت مؤسسة كابيتال إيكونوميكس البحثية قد توقعت في وقت سابق انخفاض التضخم السنوي في المملكة إلى 1.6 في المئة في ديسمبر/كانون الأول على أن تستمر وتيرة تراجع التضخم لتصل إلى واحد في المئة على أساس سنوي بحلول منتصف العام 2024.
وقالت في تقرير لها إن من المحتمل أن يتعرض هذا الاتجاه لعثرة بسيطة في النصف الثاني من العام، لكنها ستكون مؤقتة، وسيعاود التضخم التباطؤ مع دخول عام 2025.
ويعود التضخم عالميا لأسباب عدة، منها أزمة سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الغذاء والنفط ومجمل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، إضافةً إلى إغلاقات في الصين لمواجهة جائحة كوفيد-19.
اقرأ أيضا: الهيئة العامة للإحصاء: التضخم في السعودية يتراجع إلى 1.5 في المئة
توقعات التضخم لعام 2024
وبحسب تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، جاءت السعودية كثاني أقل نسبة تضخم بين دول مجموعة العشرين في 2023، بعد الصين، حيث توقع تسجيل الصين معدل تضخم 0.7 في المئة في 2023، و1.7 في المئة في 2024. وتضم هذه المجموعة كل من الأرجنتين وأستراليا والبرازيل وكندا والصين وفرنسا وألمانيا والهند وإندونيسيا وإيطاليا واليابان والمكسيك وروسيا والمملكة العربية السعودية وجنوب أفريقيا وتركيا وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
وفي بيانها التمهيدي لميزانية العام 2024، أشارت التوقعات الأولية لوزارة المال السعودية إلى بلوغ الرقم القياسي لأسعار المستهلك لكامل عام 2023 نحو 2.6 في المئة.
وذكرت الوزارة، أن معدلات التضخم في المملكة بقيت عند مستويات معقولة نسبياً مقارنة بالدول المتقدمة والنامية، بفضل التدابير الاستباقية والسياسات التي اتخذتها الحكومة لاحتواء ارتفاع الأسعار، ووضع سقف لأسعار البنزين ورفع مستوى المخزون الغذائي إلى جانب دعم برامج الحماية الاجتماعية.
مستويات مقبولة
وأوضحت الوزارة أن ذلك بالرغم من ارتفاع معدلات التضخم العالمية وقيام البنوك المركزية في عدة دول بتشديد السياسة النقدية عبر رفع معدلات الفائدة للحد من ارتفاع المستوى العام للأسعار، وذلك للحد من الزيادة المطردة في وتيرة الطلب مقابل الاضطرابات في جانب العرض مدفوعة بالتأثر في سلاسل الإمداد العالمية والتي أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات اللوجستية عالمياً.
وطمأنت الوزارة بأن معدل التضخم سيبقى عند مستويات مقبولة نسبيا على المدى المتوسط.
وتتوقع وزارة المالية السعودية انخفاض معدلات التضخم إلى 2.2 في المئة في 2024، على أن تصل في 2025 إلى 2.1 في المئة.
إجراءات مالية لكبح التضخم
وقد يعود السبب وراء نجاح السعودية بكيح حجم التضخم إلى مجموعة إجراءات اتخذتها المملكة لحماية الاقتصاد من التضخم نذكر أبزها فيما يلي.
-
تثبيت أسعار الطاقة:
اتخذت السعودية إجراءات استباقية مثل وضع أسقف على أسعار بعض المشتقات البترولية، واستطاعت من خلالها احتواء التضخم والحد من تأثير ارتفاع الأسعار.
-
تعزيز منظومة الدعم والإعانات الاجتماعية:
عمدت السعودية من خلال الدعم الإضافي لمستفيدي الضمان الاجتماعي، وبرنامج حساب المواطن، وبرنامج دعم صغار مربي الماشية بالإضافة إلى تخصيص دعم لزيادة المخزونات الاستراتيجية للسلع الأساسية والتأكد من توفرها، على مواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار العالمية.
-
عائدات النفط:
استفادت السعودية من نمو عائدات النفط الذي تصدّره، خاصة بعد ارتفاع سعر البرميل عالمياً إلى أكثر من 100 دولار خلال العام 2022.
-
تنويع جهات استيراد المواد الغذائية:
استطاعت السعودية وغيرها من دول الخليج الاستفادة من تنوع الجهات التي تستورد منها المواد الغذائية. فعلى الرغم من استيراد دول الخليج 90 في المئة مما تحتاجه من المواد الغذائية، إلا أن شراءها السلع الغذائية من آسيا وإفريقيا، أنقذها في الواقع من تداعيات توقف إمدادات روسيا وأوكرانيا من الحبوب.
-
رفع الفائدة:
لم تتوان دول الخليج وعلى رأسهم السعودية، عن رفع أسعار الفائدة كلما رفع الفدرالي الأميركي هذه الأسعار لمواجهة التضخم.
-
تنويع الصادرات:
عملت المملكة على توطين الصناعات الواعدة بصفة خاصة وتنويع الصادرات ورفع نسبة المحتوي المحلي للقطاعات غير النفطية. وآخر خطواتها في هذا المجال كان توقيع هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية في السعودية، 12 اتفاقية بأسلوب التعاقد على توطين الصناعة ونقل المعرفة، وشراكات وتعاون استراتيجي مع عدد من الجهات. كما حققت الأنشطة غير النفطية، ارتفاعًا بنسبة 3.5 في المئة على أساس سنوي، و0.4 في المئة على أساس ربعي.لم تنوع المملكة صادراتها فحسب بل عمدت على استبدال الواردات بالمنتجات الوطنية بما يقلل الاعتماد على الواردات المرتفعة الأسعار من بلدانها.
-
تخفيض الضرائب والرسوم:
عمدت السعودية على تخفيض الضرائب وخاصة التي لا تضيف قيمة مضافة للاقتصاد ولا تشجع على الاستثمار المحلي والأجنبي. وبفضل هذه التدابير قفزت الاستثمارات الأجنبية في السوق السعودية منذ عام 2018 حتى نهاية عام 2022، بنسبة 300 في المئة، لتصل إلى 347 مليار ريال (92.52 مليار دولار) نهاية العام الماضي، بما يعادل 14.2 في المئة من قيمة الأسهم في السوق الرئيسية.
-
تنشيط القطاع السياحي والصناعي:
عملت السعودية على تنشيط القطاعين السياحي والصناعي وجذب الاستثمارات الأجنبية إلى هذين القطاعين ما أدخل المزيد من رؤوس الأموال إلى البلاد.
في المحصلة، وبناء على ما سبق، نجحت القيادة الرشيدة في السعودية على لجم معدلات التضخم متفوقة على نظرائها من دول الخليج. فهل تتمكن السعودية من القضاء على التضخم بشكل تام بحلول عام 2025؟
انقر هنا للاطلاع على المزيد من الأخبار الاقتصادية.